بعد مرور عام على سيطرة طالبان على أفغانستان، تظل البلاد واحدة من أكثر الأزمات تعقيدا في جميع أنحاء العالم. وسلّطت وكالات إنسانية الضوء على تراجع حقوق النساء والفتيات على وجه الخصوص والحالة الاقتصادية المتردية في البلاد.
أصدرت الدكتورة سيما بحوث، المديرة التنفيذية لهيئة الأمم المتحدة للمرأة، بيانا قالت فيه إنه في العام الذي انقضى منذ سيطرة طالبان على أفغانستان، “شهدنا تدهورا يوميا ومستمرا في أوضاع النساء والفتيات الأفغانيات.”
امتد ذلك إلى كل جانب من جوانب حقوق الإنسان الخاصة بهن، من مستويات المعيشة إلى الوضع الاجتماعي والسياسي.
وأضافت أنه كان عاما يتزايد فيه عدم الاحترام لحقهن في أن يعيشن حياة حرّة ومتساوية، “مما يحرمهن من فرص كسب الرزق، والوصول إلى الرعاية الصحية والتعليم، والهروب من حالات العنف.”
وأشارت السيدة سيما بحوث إلى أن سياسات عدم المساواة الموضوعة بدقة من قبل طالبان تدفع بأفغانستان بعيدا، فهي الدولة الوحيدة في العالم التي يُحظر فيها على الفتيات ارتياد المدرسة الثانوية. ولا توجد نساء في حكومة طالبان، ولا وزارة لشؤون المرأة، مما يلغي فعليا حق المرأة في المشاركة السياسية.
وجد تحليل جديد صدر عن اليونيسف أن إبقاء الفتيات خارج المدارس الثانوية يكلّف أفغانستان 2.5 في المائة من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي.
وبحسب اليونيسف، إذا تمكنت المجموعة الحالية المكوّنة من ثلاثة ملايين فتاة من إكمال تعليمهن الثانوي والمشاركة في سوق العمل، فستساهم الفتيات والنساء بما لا يقل عن 5.4 مليار دولار في اقتصاد أفغانستان.
وقال ممثل اليونيسف في أفغانستان، محمد أيويا: “القرار الصادر في 23 آذار/مارس بعدم السماح للفتيات بالعودة إلى المدرسة الثانوية كان صادما ومحبطا للغاية.” وأشار إلى أن القرار لا ينتهك حق الفتيات الأساسي في التعليم فحسب، بل يعرّضهن أيضا لقلق متزايد ومخاطر أكبر للاستغلال وسوء المعاملة، بما في ذلك الاتجار بالأطفال والزواج المبكر والقسري.
وأشار بيان هيئة الأمم المتحدة للمرأة إلى أن النساء في الغالب، محظور عليهن أيضا العمل من خارج المنزل، ويُطلب منهن تغطية وجوههن في الأماكن العامة وأن يكون لديهن مرافق ذكر عند السفر.
علاوة على ذلك، تتعرض النساء لأشكال متعددة من العنف القائم على النوع الاجتماعي.
وقالت السيدة بحوث: “هذا الكم المتعمد من إجراءات التمييز ضد النساء والفتيات في أفغانستان هو أيضا عمل فظيع من التخريب الذاتي لبلد يواجه تحديات ضخمة، بما في ذلك الكوارث الطبيعية المرتبطة بتغيّر المناخ والتعرّض للرياح الاقتصادية المعاكسة والتي تترك حوالي 25 مليون شخص أفغاني في فقر ويعاني العديد منهم من الجوع.”
وأكدت أن استبعاد النساء من جميع جوانب الحياة يسلب الشعب الأفغاني نصف مواهب وطاقات أبنائه.
وقالت: “بدون المشاركة الكاملة للنساء والفتيات في جميع مناحي الحياة العامة، هناك فرصة ضئيلة لتحقيق السلام الدائم والاستقرار والتنمية الاقتصادية.”
وتحث هيئة الأمم المتحدة للمرأة سلطات الأمر الواقع على فتح المدارس لجميع الفتيات، وإزالة القيود المفروضة على توظيف النساء ومشاركتهن في رسم سياسات الأمة، وإلغاء جميع القرارات والسياسات التي تجرّد المرأة من حقوقها.
“ندعو إلى إنهاء جميع أشكال العنف ضد النساء والفتيات.”
كما دعت هيئة الأمم المتحدة للمرأة سلطات الأمر الواقع إلى ضمان أن تتمتع الصحفيات والمدافعات عن حقوق الإنسان والجهات الفاعلة في المجتمع المدني بحرية التعبير والوصول إلى المعلومات والعمل بحرية واستقلالية دون خوف من الانتقام أو التعرض للهجوم.
من جانبها، قالت السيدة ناتاليا كانيم، المديرة التنفيذية لصندوق الأمم المتحدة للسكان، في بيان إن ارتفاع أسعار المواد الغذائية والوقود – الذي تفاقم بسبب الجفاف والحرب في أوكرانيا – أدى إلى أن ما يُقدّر بنحو 95 في المائة من السكان، وتقريبا جميع الأسر التي تعيلها نساء، ليس لديها ما يكفي من الطعام.
وأشارت إلى أن انهيار النظام الصحي أدّى إلى إضعاف وصول النساء والفتيات إلى خدمات الصحة الإنجابية، بما في ذلك رعاية صحة الأم، ولاسيّما بالنسبة لأكثر من تسعة ملايين شخص في المناطق النائية من البلاد.
وقال صندوق الأمم المتحدة للسكان إنه بالنسبة لما يُقدّر بـ 24,000 امرأة تضع مولودا كل شهر في مناطق يصعب الوصول إليها، يمكن أن تكون الولادة في الواقع بمثابة حكم بالإعدام.
قال صندوق الأمم المتحدة للطفولة إنه حتى قبل سيطرة طالبان، كان أكثر من 4.2 مليون طفل خارج المدرسة، 60 في المائة منهم فتيات.
وبالإضافة إلى عدم تمكّن الفتيات من العودة إلى المدارس الثانوية، تكافح اليونيسف أيضا للوصول إلى الفتيات اليافعات بالخدمات الحيوية التي يحتجن إليها، مثل دعم الوقاية من فقر الدم والصحة والحفاظ على النظافة أثناء فترة الحيض، والتي اعتادت اليونيسف تقديمها في المدارس.
كما أن سوء تغذية الأطفال آخذ في الازدياد. في حزيران/يونيو2021، تلقى 30 ألف طفل علاجا من سوء التغذية الحاد الوخيم في أفغانستان. في حزيران/يونيو 2022، تم إدخال 57,000 طفل للعلاج، بزيادة قدرها 90 في المائة.
ويُجبر الأطفال على العمل لإعالة أسرهم بدلا من الذهاب إلى المدرسة التي تُعدّ أكثر الأماكن أمانا.
أكدت هيئة الأمم المتحدة للمرأة على الثبات في دعم النساء والفتيات الأفغانيات، جنبا إلى جنب مع الشركاء والمانحين.
وتدعم الهيئة الأعمال التي تقودها نساء وفرص العمل في جميع القطاعات للمساعدة في انتشال البلد من الفقر. وتستثمر أيضا في منظمات المجتمع المدني التي تقودها النساء لدعم إعادة بناء الحركة النسائية.
وشددت الوكالة الأممية على ضرورة توجيه تمويل مستهدف وكبير ومنهجي، لمعالجة هذا الوضع وعكس مساره. وقالت إن عقودا من التقدم في مجال المساواة بين الجنسين وحقوق المرأة امّحت في غضون أشهر فقط. “يجب أن نواصل العمل معا، متحدين في إصرارنا على ضمان احترام الطيف الكامل لحقوق المرأة، بما في ذلك التعليم والعمل والمشاركة في الحياة العامة والسياسية.”
ودعت إلى الاستمرار في توجيه الدعوة الجماعية والمستمرة لقيادة طالبان للامتثال الكامل للالتزامات الملزمة بموجب المعاهدات الدولية التي تُعدّ أفغانستان طرفا فيها.
وقال البيان: “معركتهن هي معركتنا. إن ما يحدث للنساء والفتيات في أفغانستان هو مسؤوليتنا العالمية.”
من جانبه، وصل صندوق الأمم المتحدة للسكان في الأشهر الـ 12 الماضية إلى أكثر من 4.3 مليون شخص بخدمات الصحة الإنجابية المنقذة للحياة والدعم النفسي والاجتماعي من خلال برنامج منازل صحة الأسرة، والعيادات المتنقلة والثابتة، والفرق الصحية المتنقلة.
ومع اقتراب فصل الشتاء – ومع استمرار ازدياد الاحتياجات – يقدم الصندوق بالفعل أواني الطبخ والبطانيات لمن هم في حاجة إليها.
ووفقا لليونيسف، في الأشهر الـ 12 الماضية، وصلت خدمات الصحة والتغذية في المدارس إلى 272,386 فتاة يافعة، بمكمّلات الحديد وحمض الفوليك. وتحذر اليونيسف من أن عدم قدرة اليافعات على مواصلة تعليمهن يهدد صحتهن.