إنها جائعة ومتعبة ووحيدة وضائعة. إنها خائفة ومرتبكة. هذه بعض أوصاف أمل الصغيرة -الدمية العملاقة التي تجسد شخصية فتاة سورية لاجئة، تبلغ من العمر 10 سنوات، تسافر حول العالم بحثا عن منزل يأويها وأناس تشعر بينهم بدفء الحياة.
تمثل أمل رمزا لملايين الأطفال النازحين في كل مكان وتذكرنا بأن التعليم حق أساسي من حقوق الإنسان.
في سوريا وفي جميع أنحاء العالم، تعمل الأمم المتحدة على ضمان حصول جميع الأطفال اللاجئين على التعليم لتأمين مستقبلهم بشكل كامل.
وفقا لإحصاءات الأمم المتحدة، فإن ما يقرب من نصف اللاجئين في جميع أنحاء العالم هم من الأطفال. ولا يحصل أكثر من نصف الأطفال اللاجئين في سن الدراسة في العالم على التعليم.
الحق في التعليم، الحق في الطفولة، هما الفكرتان اللتان يتمحور حولهما هذا مشروع “أمل الصغيرة” للكاتب والمخرج المسرحي الفلسطيني أمير نزار زعبي.
منذ يوليو 2021، قطعت الدمية العملاقة أكثر من 5000 ميل عبر 12 دولة.
وقد أنهت مؤخرا جولة في مدينة نيويورك الأمريكية استمرت في الفترة بين 14 سبتمبر إلى 2 أكتوبر، طافت خلالها مقاطعات المدينة الخمس.
في 16 سبتمبر 2022، زارت أمل الصغيرة مقر الأمم المتحدة في نيويورك بالتزامن مع انعقاد قمة تحويل التعليم، حيث كان في استقبالها نائبة الأمين العام للأمم المتحدة، السيدة أمينة محمد.
قسم الإعلام بالأمم المتحدة التقى بالسيد أمير زعبي وتحدث معه حول فكرة المشروع، حيث قال: “إنه لأمر مذهل للغاية، لأن الناس يتأثرون بها بشدة، ويتفاعلون معها كما لو كانت طفلة حقيقية. وبالطبع، هنا تكمن عبقرية فن الدمى. إنه يمنحك الفرصة لتروي قصتك الخاصة”.
وتابع: “شعرنا أننا نريد تكريم هذه الرحلة الطويلة التي يقوم بها اللاجئون، لكن بطريقة مختلفة. لإعادة التفكير في قضية اللاجئين وكيف يمكنهم أن يصبحوا مدعاة للتكاتف والعمل معا، وكيف يمكن أن يصبحوا سببا للاحتفال بما يمكن أن يقدمه مجتمع في مدينة ما للأشخاص الجدد الذين هم في حاجة”.
وقال إنه يشرك الفنانين في المجتمعات المحلية ويخبرهم بأن هذه الفتاة ستأتي إلى مدينتهم. “إنها جائعة ومتعبة ووحيدة وضائعة. إنها خائفة. نسألهم عن الطريقة التي سيرحبون بها بالدمية -الطفلة. والإجابة كانت لا تصدق!”.
يقول أمير نزار زعبي إن أمل تمثل مزيجا مثاليا من الضعف والصمود: “إنها مثال لعمل فني يصعب إنجازه. إنها عملاقة جدا. ووجودها في الشوارع يعطي انطباعين، بمعنى أنك ترى مخلوقا قويا يمشي بأناقة شديدة. ولكن بداخلها أيضا حنان وروح لطيفة. بداخلها طفلة ضائعة تبلغ من العمر عشر سنوات، خائفة ومحتارة ومرتبكة بعض الشيء”.
وأوضح أن الناس يشعرون بالحرص الشديد تجاهها، مشيرا إلى أنه يستعصي عليه أن يحصي عدد المرات التي قال له فيها الجمهور: “كن حذرا! لا تعيق سيرها!” دون أن يدرك أنه في الواقع الشخص المسؤول عن تنقلاتها.
ويضيف أمير زعبي: “أنا مسرحي. وهناك شيء ما يحدث عندما يلتقي أفراد مجتمع ما. يمكن أن يكون المجتمع حشدا في مسرح أو حشدا في الشوارع. في اللحظة التي يشاهد فيها مجموعة من الناس قصة، ينتابهم حس الجماعة. وعندما ينتابهم ذلك الإحساس، أعتقد أن بعض أنظمة الدفاع ترتخي وهنا يكمن تأثير فن الدمى، لأنه يتطلب منك أن تكون نشطا ومشاركا، يتطلب فعل التعاطف والذهول. تراها دمية، لكن قلبك يقول إنها فتاة. وفي اللحظة التي تتقبل فيها فكرة أنها فتاة، تصبح الطريقة التي تفسر بها حركتها عبر الفضاء شخصية جدا وحميمية للغاية”.
من الواضح أن لأمل تأثير قوي جدا بالنسبة لمجتمعات اللاجئين لأن اللقاء بها أصبح لحظة تحتفل فيها المدينة بقصتهم.
يقول زعبي إن وجود أمل في نيويورك يعني أنها في مركز صدارة السياسة والاهتمام العالميين:
“أعتقد أنه مع التغييرات الكبيرة جدا التي ستحدث في العالم بسبب المناخ، هناك أيضا تغيير بشري سيصاحب ذلك ونحن بحاجة إلى تعلم كيفية التعايش معه، وتبنيه، وفهم أن التغيير هو أفضل ما نقوم به، والاحتفال به. لأن التغيير لا ينبغي أن يكون قسريا، بل يجب أن نحتفل بالتغيير، لأن ذلك سيمنحنا أكبر فرصة”.
بدورها، تقول سوزان فيلدمان وهي مخرجة فنية إن أمل الصغيرة تمثل النازحين والمهمشين في كل مكان.
“ما ظللت ألاحظه هو أنها تثير الكثير من المشاعر والدموع. وخاصة عند الناس كبار السن. تكمن رسالتها في الأمل والترحيب. وأعتقد أن هذه مسألة بسيطة لكنها معقدة، وطبيعية جدا. والاستجابة تلقائية ونابعة من القلب”.
وتضيف: “إنها تجمع الناس معا. إنها تمثل النازحين والمهمشين في كل مكان. إنها تتحدث إلى السلطة. وأعتقد أنه من خلال المجيء إلى الأمم المتحدة، يمكنها فعل كل هذه الأشياء الثلاثة لأن الأمم المتحدة تمثل كل ذلك”.
أما المخرجة تريسي سيورد فهي تعتقد أن الدمية العملاقة تبعث إشارات الأمل، لأن اسمها في اللغة العربية يعني أمل.
“إنها تتطلع لمقابلة أصحاب النفوذ. وفي كل مكان نذهب إليه، نحاول دائما لقاء الأشخاص وقادة المجتمعات وقادة المدن. تمثل الأمم المتحدة مركزا لدول العالم ذات النوايا الحسنة. وأعتقد أن أمل تلقت أهم دعوة من خلال قبولها والترحيب بها من قبل نائبة الأمين العام للأمم المتحدة.
وإذا فكرت في مسار اللجوء بالنسبة لمعظم الأطفال، فإن الكثيرين منهم يفقدون تعليمهم لمدة عام أو عامين أو ثلاثة أعوام. ولن يتمكن البعض منهم أبدا من استعادة الوصول إلى التعليم الذي كانوا يحصلون عليه من قبل”.