كشفت البعثة المستقلة لتقصي الحقائق في ليبيا عن مزيد من الأدلة على ارتكاب جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب وانتهاكات جسيمة لحقوق الإنسان في تقريرها الشامل، الذي يخرج للنور في خضم توتر متزايد ومآزق سياسية مستمرة تساهم في انعدام الأمن والإفلات المستمر من العقاب.
وأعربت البعثة، التي تضم الرئيس محمد أوجار وزميليه الخبيرين في مجال حقوق الإنسان تشالوكا بياني وتريسي روبنسون، عن امتنانها للسلطات الليبية التي دعت مجلس حقوق الإنسان في عام 2020 إلى إنشاء بعثة لتقصي الحقائق للتحقيق في حالة حقوق الإنسان في ليبيا، الأمر الذي يعكس استعدادها لإقامة دولة مبنية على سيادة القانون وحقوق الإنسان.
وخلال الفترة التي يشملها التقرير، جمعت البعثة أدلة إضافية من 103 مقابلات مع ضحايا وشهود أدلوا بشهاداتهم عن انتهاكات حقوق الإنسان في ليبيا. وتعاونت البعثة أيضا مع السلطات الليبية بهدف رفع التقارير حول الجهود المبذولة من ليبيا لضمان المساءلة عن انتهاكات قانون حقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي.
ويجمع التقرير نتائج تحقيقات البعثة في انتهاكات القانون الإنساني الدولي. وتشمل بعض الانتهاكات التي تم توثيقها الهجمات المباشرة على المدنيين، والاحتجاز التعسفي، والاختفاء القسري، والعنف الجنسي والعنف القائم على النوع الاجتماعي، والتعذيب، وانتهاكات الحريات الأساسية، والاضطهاد والانتهاكات ضد الصحفيين، والمدافعين عن حقوق الإنسان، والمجتمع المدني، والأقليات، والنازحين داخلياً وانتهاكات حقوق المرأة والطفل.
“أبلغت البعثة في تقاريرها الثلاثة عن انتهاكات جسيمة للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الإنساني الدولي، يرقى بعضها إلى مصاف جرائم ضد الإنسانية وجرائم حرب. وتدعو البعثة المجتمع الدولي أن يقدم الدعم اللازم للسلطات المعنية في ليبيا لإجراء تحقيقات فورية، بما يتوافق مع المعايير الدولية، في الانتهاكات المزعومة ومحاكمة المسؤولين عنها. والهدف هو وضع حد للإفلات من العقاب السائد في مواجهة الأنماط الواضحة والمستمرة للانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان، التي ترتكبها في كثير من الحالات الميليشيات، كما يقول محمد أوجار، رئيس بعثة تقصي الحقائق في ليبيا.
وقد جمعت البعثة المزيد من الأدلة التي توفر أسبابًا معقولة للاعتقاد بأن جرائم ضد الإنسانية، وخاصة الاسترقاق والتعذيب والاغتصاب، هي جرائم لا تزال ترتكب ضد المهاجرين في ليبيا.
هذا وقد جمعت بعثة تقصي الحقائق أدلة تتعلق بأكثر من 27 مكان احتجاز في شرق ليبيا وغربها تحتجز آلاف السجناء، بما في ذلك السجون السرية والخارجة عن القانون. وقد فصلت أكثر من 90 مقابلة مع محتجزين حاليين وسابقين في السجون جرائم ضد الإنسانية المتمثلة في القتل والتعذيب والسجن والاختفاء القسري وغيرها من الأعمال اللاإنسانية منذ عام 2016.
“في وقت كتابة التقرير، استمرت التوترات المحلية، ولا تزال بعض القضايا الرئيسية تساهم في انعدام الأمن والانتهاك المستمر لحقوق الإنسان في البلاد. وتشمل الوجود المستمر للجماعات التابعة لداعش ، وكذلك المرتزقة والشركات العسكرية الخاصة والمقاتلين الأجانب. إن قدرة ليبيا المحدودة على إجراء عمليات إزالة الألغام الأرضية والمتفجرات الأخرى هي أيضًا عامل مساهم في انعدام الأمن”، كما يقول تشالوكا بياني.
وركزت البعثة أيضا عملها في مجال التحقيق في جرائم ضد الانسانية من خلال الهجوم الواسع النطاق والمنهجي على السكان المدنيين في ترهونة، وسوف تعرض النتائج التي توصلت إليها البعثة في تقرير منفصل سيقدم على هامش جلسة مجلس حقوق الإنسان في 6 يوليو. ووجدت البعثة أن أعمال القتل والإبادة والسجن والتعذيب والاضطهاد لأسباب سياسية والاختفاء القسري وغيرها من الأعمال اللاإنسانية التي ارتكبتها ميليشيا الكانيات ضد السكان المدنيين في ترهونة قد استمرت حتى عام 2020.
ولدى البعثة أسباباً معقولة للاعتقاد بأنها كشفت عن مواقع جديدة لمقابر جماعية في ترهونة من خلال الاستعانة بتقنيات تكنولوجية متطورة لدى الامم المتحدة. ومن الأهمية بمكان اكتشاف مواقع مئات الضحايا الذين ما زالوا في عداد المفقودين وكشف الحقيقة.
“تشير تحقيقات بعثة تقصي الحقائق في ليبيا حول حالات الاختفاء القسري والاتجار بالبشر والاستغلال الجنسي إلى الحاجة إلى اتخاذ إجراءات علاجية عاجلة. والهدف هو تمكين الضحايا في ليبيا من الوصول الى حقوقهم في معرفة الحقيقة وتحقيق العدالة وجبر الضرر”، كما تقول تريسي روبنسون.
وتكرر البعثة أهمية أن يتخذ الانتقال السياسي في ليبيا شكل عملية مستدامة وشاملة تعالج الإفلات من العقاب، وتضمن استقلال القضاء، وتحترم حرية الرأي والاجتماع والفكر و إشراف الدولة على قطاع الأمن.
“يحتاج الشعب الليبي الآن أكثر من أي وقت مضى إلى التزام صريح بمساعدته من أجل تحقيق السلام والعدالة في بلده وإقامة دولة مبنية على سيادة القانون وحقوق الإنسان