الأمم المتحدة تسلط الضوء على الواقع المرير للشباب الفلسطيني في مدينة القدس المحتلة

سلط مؤتمر رفيع المستوى حول قضية القدس بعنوان “الشباب الفلسطيني في القدس الشرقية المحتلة” الضوء على الواقع الذي يعيشه الشباب الفلسطيني في القدس الشرقية تحت الاحتلال الإسرائيلي، والتحديات اليومية التي تواجهه؛ غير أنه أبرز في الوقت ذاته دور الشباب الفلسطيني في الحفاظ على الوضع النهائي للقدس.

ويهدف الحدث الافتراضي الذي نظمته اليوم الأربعاء لجنة الأمم المتحدة المعنية بممارسة الشعب الفلسطيني لحقوقه غير القابلة للتصرف إلى رفع مستوى الوعي لدى الجماهير الدولية – الدول الأعضاء والمجتمع المدني ووسائل الإعلام – “وتسليط الضوء على تقييد إسرائيل لحقوق الشعب الفلسطيني وقدرته على الازدهار في المدينة” بحسب منظمي المؤتمر.

ويبرِز الحدث دور الشباب الفلسطيني بصفتهم عوامل للتغيير، وكيف يمكن للمجتمع الدولي أن يعزز مبادرات السلام التي يقودها الشباب في القدس الشرقية وبالتالي المساهمة في إعمال حقوق الشعب الفلسطيني غير القابلة للتصرف.

افتتح رئيس اللجنة، سفير السنغال لدى الأمم المتحدة، شيخ نيانغ، الفعالية مشيرا إلى أن أهمية المؤتمر كبيرة بالنسبة لحاضر ومستقبل المجتمع الفلسطيني ولتحقيق حل الدولتين.

وقال: “على مدار عدة أعوام، أكدت الجمعية العامة ومجلس الأمن الدولي والأمين العام، مرارا على أن أي إجراءات تتخذها إسرائيل – السلطة القائمة بالاحتلال – لفرض قوانينها وولايتها القضائية وإدارتها في مدينة القدس المقدسة غير قانونية.”

وأشار إلى أن لجنة فلسطين أعربت مرارا عن أن القدس الشرقية معترف بها كجزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية التي تحتلها إسرائيل منذ عام 1967.

وأضاف يقول: “تعتبر اللجنة أن حلا تفاوضيا على وضع القدس، يأخذ بعين الاعتبار الشواغل السياسية والدينية لجميع الأطراف، هو شرط أساسي للتوصل إلى حل للصراع الإسرائيلي-الفلسطيني والسلام الدائم في المنطقة بأسرها.”

وأقرّ شيخ نيانغ بأن العديد من الشباب الفلسطيني قلق من عدم وجود حل سياسي، ويشعر بالغصّة من نقص الفرص الاقتصادية واستمرار الانتهاكات الإسرائيلية لحقوق الإنسان. “وفي الوقت نفسه، فإن جيل أوسلو يظهر رغبة شديدة للانخراط اجتماعيا وسياسيا، وليصبح عامل تغيير في فلسطين وعلى الصعيد العالمي.”

مع التشديد على أن مدينة القدس المحتلة هي جزء لا يتجزأ من الأرض الفلسطينية المحتلة منذ عام 1967، حثت منظمة التعاون الإسلامي المجتمع الدولي على “التراجع والامتناع عن أي موقف وإجراء يساهم في خطط تضفي الشرعية على السلطة القائمة بالاحتلال وتهدف إلى تغيير الوضع الجغرافي والديمقراطي والقانوني لمدينة القدس المحتلة”، بحسب ما قاله الدبلوماسي التونسي، السفير علي غوتالي، مدير دائرة شؤون فلسطين والقدس في منظمة التعاون الإسلامي.

وأضاف أن منظمة التعاون الإسلامي تدعو مجددا المجتمع الدولي إلى أن يتمسك بمسؤولياته فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية، وأن يتحرك على نحو سريع لوقف “الاستعمار غير الشرعي” الذي تقوم به إسرائيل وسياسات “التطهير العرقي.”

وتابع يقول: “ترغب منظمة التعاون الإسلامي التأكيد مجددا على أن غياب وجود تدابير دولية رادعة بشكل فعّال، لم تفعل سوى تشجيع إسرائيل – السلطة القائمة بالاحتلال – على الاستمرار بانتهاكاتها بدون عقاب.”

وفي هذا الصدد، دعا المجتمع الدولي إلى تفعيل الآليات القانونية وضمان مساءلة إسرائيل وتحميلها المسؤولية، وتوفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني ووقف الاحتلال الإسرائيلي وسياسات الفصل العنصري على حدّ تعبيره.

من جانبه، اعتبر السفير رياض منصور، مراقب فلسطين الدائم لدى الأمم المتحدة، أن عقد مثل هذه الفعالية مهم في هذا الوقت مع ارتفاع مستوى “السلوك العدواني” لإسرائيل فيما يتعلق بمحاولتها تغيير الطابع الديمغرافي والجغرافي لمدينة القدس، وفي محاولتها لإنكار الطابع الإسلامي والمسيحي والعربي للمدينة، بما يتنافى مع الواقع.

وشدد على القرارات الصادرة عن الأمم المتحدة، بما فيها القرار الصادر عن مجلس الأمن الدولي، وخاصة قرار مجلس الأمن 2334، الذي ينص بشكل واضح على أن المجتمع الدولي لا يعترف بأي حدود غير حدود الرابع من حزيران/يونيو 1967، ما لم يتفق الطرفان على غير ذلك.

وتابع يقول: “القدس الشرقية محتلة، وأي تغيير، جغرافي أو ديمغرافي، لمدينة القدس – أو تغييرات قانونية – أمر لاغ وباطل، وليس له أي صلاحية قانونية من وجهة نظر القانون الدولي والقرارات الأممية ذات الصلة، بما في ذلك مجلس الأمن.”

وأشار إلى أن أهالي القدس، وخاصة الشباب، يعيشون في واقع مدارس مكتظة وبيئة تعليم صعبة ومشاكل مع هدم المنازل وطرد السكان من الأحياء مثل الشيخ جراح وسلوان، ومحاولة تغيير طابع البلدة القديمة في القدس وتحويلها إلى مدينة يهودية وليست مدينة سلام تشمل الجميع.

ركزت حلقة النقاش التي تبعت الجلسة الافتتاحية على التحديات والتطلعات للشباب. ومن بين المتحدثين فيها، نيفين صندوقة، من منظمة حقوقنا، التي سلطت الضوء على تجربتها في المدينة، مسلطة الضوء على قصة نجلها البالغ من العمر 12 عاما، وما تعنيه حياة صبي يعيش تحت نير الاحتلال.

وقالت إن ابنها الذي لديه شغف بممارسة هواية كرة القدم، أراد الالتحاق بأحد النوادي في القدس. إلا أنه صُدم بعوائق الاحتلال.

“اصطحبت ابني إلى مباراة في القدس، وبعد عدة دقائق تلقيت اتصالا من مدرّبه – وكأمه ذُعرت لأنني لا أعرف ما الذي يحدث – وقال إن ابنكِ بخير لكنّ الشرطة (الإسرائيلية) داهمت المكان الذي تجري فيه المباراة التابع لمنظمة مجتمع مدني ومنعت الأطفال من المشاركة في المباراة.”

وأشارت إلى أنه تبيّن أن السبب في إلغاء المباراة هو مخاوف إسرائيلية من أنها تُجرى بدعم من السلطة الفلسطينية.

وقالت: “يُحرم الأطفال من هذا الحق البسيط في اللعب بأمان.”

وتحدثت عن أن نسبة التسرب من المدرسة في مدارس القدس عالية وتصل إلى 35 في المائة، مشيرة إلى أن الحكومة الإسرائيلية مسؤولة عن تعليم الشعب الذي يخضع تحت سلطتها: “عدد المدارس التي تبنيها لنا منخفض جدا، لذا هناك عدد محدود من الفصول المدرسية للأطفال الفلسطينيين.”

وأوضحت أن العديد من الأسر الفلسطينية لا تستطيع تحمّل نفقات مدارس خاصة في القدس، ويذهب الأطفال للعمل لقاء أجور بخسة في الجزء الغربي من القدس وإسرائيل بشكل عام.

ركّزت داليا حاتوقة، صحفية متخصصة في الشؤون الإسرائيلية/الفلسطينية، على حق الفلسطينيين في القدس في الانتخاب. وقالت: “المرة الأخيرة التي جرت فيها انتخابات تشريعية فلسطينية كانت في عام 2006، وقد عرقلت إسرائيل بشدة التصويت في القدس.”

وفي كانون الثاني/يناير من العام الماضي، دعا الرئيس الفلسطيني، محمود عباس، إلى إجراء انتخابات برلمانية ورئاسية في – لكنّه أرجأها في 29 نيسان/أبريل.

وقالت: “إن تأجيل الانتخابات كان خطأ ساهم في تنامي خيبة أمل الفلسطينيين.. وبالنسبة للشباب على وجه الخصوص، كانت الانتخابات تتيح فرصة نادرة، فالعديد منهم ولد بعد التوقيع على اتفاقية أوسلو في عام 1993 ولم يقترع في حياته.”

وتحدثت حاتوقة عن ظروف الحياة في القدس، حيث يرتفع الفقر والجريمة بشكل كبير، لكنها أكدت على أن الفلسطينيين يواصلون التصدي للجهود الإسرائيلية الرامية إلى نزع الشرعية عنهم في المدينة.

وقالت: “يعرف الشباب الفلسطيني أنه يمتلك القوة والوكالة ومفاتيح المستقبل – حتى تحت نير الاحتلال أو القصف.”

قالت شارون أرت، المدافعة عن حقوق الإنسان، إنه طُلب منها أن تتحدث بصفتها ناشطة إسرائيلية، لكنّها شددت على أنها لا تريد تحسين صورة الأبرتهايد الإسرائيلي عبر التحدث كناشطة إسرائيلية وكأن هناك “حركة حقوق إنسان قوية في إسرائيل يمكن التعويل عليها في إنهاء الاحتلال الإسرائيلي في القدس الشرقية وعموم فلسطين – لأن هذه الحركة غير موجودة.”

وقالت إن معظم الإسرائيليين يدعمون الأبرتهايد الإسرائيلي، ومعظم الإسرائيليين غير معنيّين بالحديث عن إنصاف الفلسطينيين أو حقهم في تقرير المصير: “لا أريد أن يكون تمثيلي هنا ومناقشتي حول عمل التضامن الذي يقوم به بعض الإسرائيليين والأجانب في القدس وفي عموم فلسطين مضللا للمتابعين هنا بأن هناك حركة إسرائيلية كبيرة – لأنها غير موجودة على الإطلاق.”

وقدّمت شارون أرت عرضا لبعض العمل الذي يقوم به النشطاء، وأشارت إلى زيارتها إلى منطقة مسافر يطّا جنوب الخليل (حيث تتعرض بعض المجتمعات الفلسطينية لخطر التهجير) – وقالت: “سياسة التهجير والاستعمار تحدث في عموم فلسطين وليس فقط في القدس.”

كما عرضت صورة من حيّ وادي الحمّص في صور باهر في القدس لواحدة من أكبر عمليات الهدم التي حدثت لمبنى سكني في وادي الحمّص.

وقالت: “أتذكر المشهد، في الساعة الثالثة صباحا عندما سمعنا صوت المروحيات ترافقت مع مداهمة العشرات من عناصر الشرطة العسكرية المدججة بالسلاح للحي، وقد قسّمنا أنفسنا بين المنازل الفلسطينية المختلفة التي تتعرض لخطر الهدم، وأتذكر مدى صغر حجمنا مقارنة بالوجود الشرطي الإسرائيلي الكبير الذي حضر لتنفيذ الهدم، وقد تم إخراجنا بدقائق وجلسنا وشاهدنا كيف تم تفجير هذا المبنى.”

وقالت لمن يعتقد أن الأوضاع ستتغير: “لن يستيقظ الإسرائيليون – ليس من دون محاسبتهم من قبل المنظمات الدولية والمجتمع الدولي.”

في إحاطته، أشار ممثل العراق الدائم لدى الأمم المتحدة، محمد حسين بحر العلوم، إلى أن العراق يؤكد على الموقف الثابت لشعب العراق وشبابه الداعم للشباب الفلسطيني في إقامة دولة مستقلة بالكامل مع القدس كعاصمة لها، ورفض جميع أشكال الاستيطان والهدم التي تهدد الوضع القانوني للقدس، وتركيبتها الديمغرافية.

وشدد على أهمية عقد مثل هذه الفعالية لأنها بمثابة “نافذة” لإسماع أصوات الشباب، وفرصة لتعزيز دور الشباب الفلسطيني لإيجاد حل للقضية الفلسطينية في المجالات الاقتصادية والسياسية والاجتماعية.

وأشار إلى أن انخراط الشباب الفلسطيني عبر منصة الأمم المتحدة في مجالات الهوية والمجتمع والمشاركة السياسية وبناء دولة فلسطينية تلقي بظلال إيجابية على القضية الفلسطينية لأنها تثبت لكل العالم حق الشباب في الحياة في سلام وأمن في دولته الفلسطينية والتوصل إلى حل سلمي للنزاع ووضع نهاية للاحتلال.

اترك تعليقا