تشير بيانات جديدة صادرة عن اليونسكو إلى أنّ المعدل العالمي للإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين لا يزال مرتفعا إلى حدّ صادم إذ يبلغ 86 في المائة. وجددت المنظمة نداءها لاتخاذ جميع التدابير اللازمة من أجل ضمان التحقيق على النحو الملائم في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين، وضمان تحديد هوية مرتكبيها وإدانتهم.
يأتي هذا النداء بمناسبة اليوم الدولي لإنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين الذي يُحتفل به في 2 نوفمبر.
ووفقا لتقديرات منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافية (اليونسكو)، فإن 62 صحفيا قُتلوا العام الماضي في جميع أنحاء العالم لمجرد قيامهم بعملهم.
وفي رسالة بهذه المناسبة، قال الأمين العام للأمم المتحدة، أنطونيو غوتيريش، إن العديد من الصحفيين فقدوا حياتهم أثناء تغطية النزاعات، ولكن عدد العاملين في وسائل الإعلام الذين قُتلوا خارج مناطق النزاع قد ارتفع في السنوات الأخيرة.
وقال: “أصبحت حياة الصحفيين مهددة بالخطر في بلدان عديدة لمجرد قيامهم بالتحقيق في قضايا الفساد أو الاتجار أو انتهاكات حقوق الإنسان أو القضايا البيئية.”
وأوضح أن تقديرات اليونسكو تشير إلى أن تسع حالات تقريبا من بين كل 10 حالات يُفلت فيها الجناة من العقاب، مضيفا أن الصحفيين يواجهون تهديدات أخرى لا حصر لها، منها الاختطاف والتعذيب والاحتجاز التعسفي، ومنها حملات التضليل والمضايقة، ولا سيّما في المجال الرقمي.
“وتواجه الصحفيات بشكل خاص خطر التعرّض للعنف على الإنترنت.”
تنشر اليونسكو تقريرها عن سلامة الصحفيين وخطورة الإفلات من العقاب للفترة الواقعة بين 2020-2021، إذ تشير البيانات إلى تراجع معدل الإفلات من العقاب بنسبة 9 في المائة فقط خلال الأعوام العشرة الأخيرة، وترحب المنظمة بهذا التقدم، لكنها تحذر من أنّ هذا التراجع غير كافٍ لإيقاف دوامة العنف.
ويبيّن تقرير اليونسكو أيضا عدم وجود مكان آمن بالنسبة للصحفيين؛ ففي عامَي 2020 و2021، قُتل 117 صحفيا لمجرد كونهم صحفيين، وقُتل من بينهم 91 صحفيا – أي ما يعادل 78 في المائة – خارج أوقات عملهم، سواء كانوا في منازلهم أو في سياراتهم أو في الشارع من دون أن يكونوا في مهمة معينة.
وقُتل عدة صحفيين أمام أعين أفراد أسرهم، بما في ذلك أمام أطفالهم.
وقال السيد غوتيريش إن الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين لها تأثير بالغ على المجتمع ككل، “لأنها تمنع الناس من اتخاذ قرارات مستنيرة.”
وأضاف أن جائحة كـوفيد-19 وما رافقها من انتشار واسع للمعلومات المضللة برهنت أن الاطلاع على الحقائق وعلى المعلومات العلمية هو بالفعل مسألة حياة أو موت. “وعندما يصير الحصول على المعلومات مهددا بالخطر، فإن ذلك يبعث برسالة مقلقة تقوّض الديمقراطية وسيادة القانون.”
وحثّ السيد غوتيريش الدول الأعضاء والمجتمع الدولي على التضامن مع الصحفيين في جميع أنحاء العالم “في هذا اليوم وفي سائر الأيام” وإبداء الإرادة السياسية اللازمة للتحقيق في الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين والعاملين في وسائل الإعلام ومقاضاة الجناة بأقصى ما ينص عليه القانون من أحكام.
تنظم وزارة الشؤون الأوروبية والخارجية في النمسا بالتعاون مع اليونسكو ومفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان مؤتمرا احتفالا بالذكرى السنوية العاشرة لإصدار خطة عمل الأمم المتحدة، وسيعقد هذا المؤتمر في الثالث والرابع من تشرين الثاني/نوفمبر في فيينا بالنمسا.
وستفتتح المديرة العامة لليونسكو هذه الفعالية، وسيفسح المؤتمر المجال أمام الجهات المعنية للتفكير في كيفية منع ارتكاب جرائم ضد الصحفيين ومقاضاة مرتكبيها وحماية الصحفيين، وفي كيفية التصدي للاتجاهات الناشئة.
وقالت أودري أزولاي، المديرة العامة لليونسكو: “أدعو الحكومات وجميع الجهات المعنية، بمناسبة الذكرى السنوية العاشرة لإصدار خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين، إلى مضاعفة جهودها من أجل إنهاء الإفلات من العقاب على الجرائم المرتكبة ضد الصحفيين؛ فمن غير الممكن حماية الصحفيين بوجود هذا العدد الضخم من القضايا التي لم تُحل، لما له من تأثير سلبي على التحقيقات الصحفية ومجال الصحافة الذي يؤدي دورا حيويا في سلامة أي نظام ديمقراطي.”
تعمل اليونسكو على تعزيز سلامة الصحفيين من خلال التوعية العالمية بدورهم المهني، ومن خلال بناء القدرات وتنسيق تنفيذ خطة عمل الأمم المتحدة بشأن سلامة الصحفيين ومسألة الإفلات من العقاب.
وتتعاون اليونسكو مع دولها الأعضاء الـ 193 بشأن وضع قوانين وسياسات إعلامية وطنية وتنفيذها، وفضلا عن ذلك، تقوم بتدريب القضاة والمدعين العامين وقوى الأمن على إعمال حقوق الصحفيين وضمان التحقيق في الاعتداءات عليهم وإدانة مرتكبيها.
وقد درّبت اليونسكو بالفعل خلال الأعوام العشرة الأخيرة أكثر من 24,000 قاضٍ، وكان من بينهم 15,000 شخص من أمريكا اللاتينية، في إطار شراكتها المثمرة مع محكمة البلدان الأمريكية لحقوق الإنسان.
ودرّبت المنظمة أيضا أكثر من 11,500 ضابط شرطة، وجرى جزء من التدريب عبر دورة جديدة عن طريق الإنترنت أطلقتها اليونسكو هذا العام بالشراكة مع الرابطة الدولية للشرطة.