بين تهديد الكوليرا، ومواجهة ما يقرب من نصف سكان هايتي جوعا حادا، تواصل وكالات الأمم المتحدة العمل في البلاد بحسب ما تسمح به الحالة الأمنية، إذ يعيق تزايد انعدام الأمن والعنف ونقص الوقود الأنشطة الإنسانية التي تعتبر بالغة الأهمية لأشد سكان هايتي ضعفا.
وقد حذرت منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) وبرنامج الأغذية العالمي من أن سلسلة لا هوادة فيها من الأزمات تحاصر الهايتيين الضعفاء في دائرة من اليأس المتزايد، دون القدرة على الوصول إلى الغذاء والوقود والأسواق والوظائف والخدمات العامة، مما أدّى إلى شل حركة البلاد.
ووصل الجوع إلى “مستويات كارثية” أي إلى المستوى الخامس وهو أعلى مستوى بحسب التصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي (IPC5) في سيتي سولاي، الواقعة في ضواحي العاصمة بور-أو-برنس.
وإلى جانب ذلك، حذرت اليونيسف من أن ما يقرب من 100,000 طفل دون سن الخامسة ممن يعانون بالفعل من سوء التغذية الحاد الوخيم – المعروف أيضا باسم الهزال الشديد – معرّضون بشكل خاص لتفشي الكوليرا المستمر الذي يؤثر على هايتي.
وفقا لآخر تحليل للتصنيف المرحلي المتكامل للأمن الغذائي، يواجه 4.7 مليون شخص حاليا جوعا حادا (IPC3 وما فوق) بما في ذلك 1.8 مليون شخص في مرحلة الطوارئ (IPC4)، ولأول مرة في هايتي، هناك 19,000 شخص في مرحلة الجوع الكارثي (IPC5).
وتشهد سيتي سولاي ارتفاعا مقلقا في انعدام الأمن الغذائي على مدار ثلاث سنوات. وحاليا، يعاني 65 في المائة من سكانها، وخاصة الأشد فقر وضعفا، من مستويات عالية من انعدام الأمن الغذائي، 5 في المائة منهم بحاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية.
وأدّى تزايد العنف في سيتي سولاي، في ظل تنافس الجماعات المسلحة للسيطرة على المنطقة، إلى فقدان السكان القدرة على الوصول إلى أعمالهم والأسواق والخدمات الصحية والتغذوية. وأجبِر العديد منهم على الفرار أو الاختباء في منازلهم.
وقال جان-مارتن باور، المدير القطري لبرنامج الأغذية العالمي في هايتي: “يقف برنامج الأغذية العالمي إلى جانب شعب هايتي – في خدمة الفئات الضعيفة ومساعدة الفئات الأكثر فقرا. نحن هنا لضمان حصول أطفال المدارس على وجبة مغذية كل يوم، وتلبية الاحتياجات الغذائية الأساسية للأسر، وتمكين المجتمعات.”
وأضاف أن هذا وقت الاضطرابات في هايتي. لكن هناك طريق للمضي قدما، وأوضح بالقول: “نحتاج جميعا إلى التحلي بالصبر والتركيز على تقديم المساعدة الإنسانية العاجلة ودعم التنمية طويلة الأجل.”
كما استمر الأمن الغذائي في التدهور في المناطق الريفية، حيث انتقل العديد منها من مرحلة الأزمة (IPC3) إلى مرحلة الطوارئ (IPC4).
ومن بين الصدمات التي أدت إلى تفاقم الظروف، خسائر المحصول بسبب انخفاض معدل هطول الأمطار وزلزال عام 2021.
من جانبه، قال خوسيه لويس فرنانديز فيلغويراس، ممثل الفاو في هايتي: “نحتاج إلى مساعدة الهايتيين على إنتاج طعام أفضل وأكثر تغذية لحماية سبل عيشهم ومستقبلهم، لاسيّما في سياق أزمة الغذاء المتفاقمة.”
وشدد على ضرورة تكثيف جهود تعبئة الموارد من أجل تعزيز صمود الأسر المستهدفة بالمساعدات الغذائية الطارئة لزيادة اعتمادها على الذات.
لسنوات، أثّرت الأخطار الطبيعية والاضطرابات السياسية على الهايتيين الذين كانوا بحاجة للمساعدة بالفعل في كل من المناطق الريفية والحضرية.
أدى اندلاع أزمة الغذاء العالمية، مع ارتفاع أسعار الغذاء والوقود إلى تزايد الاضطرابات المدنية التي أدخلت هايتي في حالة من الفوضى، مما شلّ بالكامل الأنشطة الاقتصادية وحركة النقل.
وبلغ معدل التضخم 33 في المائة وتضاعفت تكلفة البنزين.
وفي سياق متصل، حذرت اليونيسف من أنه في وقت يواجه فيه معظم أنحاء البلاد انعدام الأمن الغذائي المتزايد، يعاني الأطفال المصابون من سوء التغذية الحاد من ضعف في جهاز المناعة، وهم عرضة للوفاة أكثر بثلاث مرات على الأقل إذا أصيبوا بالكوليرا، مما يعزز الحاجة إلى اتخاذ إجراءات عاجلة لاحتواء المرض.
ومنذ الإبلاغ عن الكوليرا لأول مرة في 2 تشرين الأول/أكتوبر 2022، كانت هناك 357 حالة مشتبه بها، وأكثر من نصف هذه الحالات في صفوف الأطفال دون سن 14. الأطفال الذي تتراوح أعمارهم بين سنة وأربعة أعوام هم الأكثر عرضة للخطر.
وقال برونو مايس، ممثل اليونيسف في هايتي: “الأزمة في هايتي هي على نحو متزايد أزمة أطفال. واحد من كل ثلاثة أشخاص ممن يعانون من الكوليرا هم دون سن الخامسة.”
وأضاف أنه بالنسبة للأطفال الذين يعانون بالفعل من الضعف بسبب نقص الطعام المغذي، فإن الإصابة بالكوليرا والمعاناة من آثارها، بما في ذلك الإسهال والقيء، بمثابة حكم بالإعدام.
وقال: “يجب تحديدها ومعالجتها بشكل عاجل، ويجب اتخاذ تدابير ملموسة لمنع حالات الكوليرا الجديدة في المجتمعات.”
في سيتي سولاي، حيث تم الإبلاغ عن أول حالة كوليرا، هناك ما يصل إلى 8,000 طفل دون سن الخامسة معرّضون لخطر الموت بسبب تزامن سوء التغذية والهزال والكوليرا، ما لم تُتخذ إجراءات عاجلة لاحتواء هذا التهديد.
وتكافح الآلاف من العائلات بسبب نقص الغذاء حيث يمزق العنف وتهديد العصابات المسلحة المنطقة المحرومة، مما يقلل بشكل كبير من وصول السكان إلى الخدمات الأساسية.
وقد أظهر تقييم التغذية الذي أجري في نيسان/أبريل في سيتي سولاي مستويات حرجة من سوء التغذية، حيث يعاني واحد من كل خمسة أطفال دون سن الخامسة من الهزال.
سوء التغذية المزمن، أو التقزّم، هو أيضا مشكلة رئيسية في هايتي، حيث يؤثر على ما يقرب من واحد من كل أربعة أطفال. من تموز/يوليو إلى تشرين الأول/أكتوبر 2022، أتاح الدعم المقدم من اليونيسف وشركائها في سيتي سولاي فحص 3,155 طفلا دون سن الخامسة وتوفير رعاية جيدة لـ 1,180 طفلا يعانون من الهزال.
لاحتواء سوء التغذية خلال موجة الكوليرا هذه، أطلقت اليونيسف ووزارة الصحة والشركاء فحوصات لتحديد الهزال بين 40 ألف طفل دون سن الخامسة، وإحالة حالات الهزال في الوقت المناسب إلى العيادات المتنقلة التي تدعمها اليونيسف أو إلى أقرب المرافق الصحية بالإضافة إلى توفير رعاية جيدة إلى 8,000 طفل دون سن الخامسة يعانون من الهزال.
وقال المسؤول في اليونيسف: “اليوم نشنّ حربا ضارية ضد سوء التغذية والكوليرا، وهما تهديدان مميتان يعرّضان حياة الأطفال للخطر.”
وأضاف أن “الوقت ليس في صالحنا، حيث تنتشر الكوليرا بسرعة وهناك خطر تفشي المرض خارج نطاق السيطرة.”
وفرت اليونيسف للشركاء أغذية علاجية جاهزة للاستخدام، وحليبا علاجيا (F-75, F-100) وإمدادات أخرى لمعالجة الهزال، وتقوم بتعزيز القدرة للحصول على العلاج والشفاء.
وتعمل اليونيسف أيضا مع العاملين الصحيين المجتمعيين لتعزيز ممارسات تغذية الرضّع والأطفال الصغار، وتعليم الأسر بشأن كيفية وقف انتقال الكوليرا في المجتمع.
ووجّهت اليونيسف نداء أوليا للاستجابة الخاصة بالكوليرا بقيمة 22 مليون دولار أميركي. وحتى الآن، هذا النداء غير ممول.
وعلى الرغم من تقلّب الوضع الأمني في بور-أو-برنس، قدّم برنامج الأغذية العالمي المساعدة الطارئة لأكثر من 100,000 شخص في منطقة العاصمة في عام 2022.
ويظل تركيز برنامج الأغذية العالمي على تعزيز أنظمة الحماية الاجتماعية والغذائية الوطنية التي تعتبر محورية في جهود التعافي والتنمية طويلة الأجل في البلاد.
وتعمل أنشطة إدرار الدخل مثل ربط المزارعين أصحاب الحيازات بالأسواق المحلية، وحلول الحد من مخاطر الكوارث على مستوى المجتمع المحلي، وبرنامج التغذية المدرسية لبرنامج الأغذية العالمي.
في عام 2021، وصل برنامج الأغذية إلى 1.3 مليون شخص وفي عام 2022 يخطط للوصول إلى 1.7 مليون هايتيّ.
وتقدم الفاو دعما لسبل العيش في حالات الطوارئ للأسر الزراعية الصغيرة الضعيفة. خلال موسم الخريف الزراعي الذي يبدأ هذا الشهر، تهدف الفاو إلى الوصول إلى ما يقرب من 70 ألف شخص بالمال مقابل العمل، والمساعدة في إنتاج المحاصيل الغذائية وتربية الماعز والدواجن، ودعم تخزين الأغذية وتجهيزها لبرامج التغذية المدرسية.
وتحتاج الفاو بشكل عاجل إلى حوالي 33 مليون دولار لمساعدة أكثر من 470,000 من الأشخاص الأكثر ضعفا. وتهدف الفاو إلى توسيع العمليات في هايتي من 560 ألف شخص مستهدفين في عام 2022 إلى 876 ألف شخص في عام 2023، للاستجابة للأشخاص في المرحلة الثالثة (الأزمة) والرابعة (الطوارئ) في المناطق الريفية في جنوب البلاد.